التبريس.
اختارت مجلة يتفكرون الفصلية، الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، في عددها الأخير (يونيو/ حزيران 2015) موضوع “الأخلاق والسياسة”، ليكون ملف عددها نظرا لأهميته في سياق التاريخ المعاصر، وما يميزه من ارتفاع دعوات تخليق العمل السياسي عبر ربط أهدافه بشروط السلم العالمي والعدالة الاجتماعية، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وتنظيم النزاعات الدولية والحروب عبر مواثيق واتفاقيات دولية.
وقد افتتح رئيس التحرير حسن العمراني، العدد الذي يقع في 302 صفحة من الحجم الكبير، بكلمة شرح فيها أهمية الموضوع المخصص لملف العدد وأبعاده على مستوى حاجة الإنسان، ككائن سياسي، للجماعة دون التخلي عن إشباع حاجاته ورغباته الخاصة، إذ من هنا تأتي “حاجته للسياسة”، باعتبارها “فن تدبير العيش المشترك بصورة سلمية”، ومن تم التشديد على ضرورة الأخلاق والسياسة معا، فنحن “بحاجة للأخلاق معيارا للسلوك” و”بحاجة للسياسة تدبيراً للشأن العام وتسييراً لشؤون الدولة”، لكن مع استحضار الوعي بوجود التفاوت والاختلاف والتمايز بينهما، حتى لا نفقد “ما هو جوهري فيهما إذا ما وقعنا في آفة الخلط بينهما”، أي لا بد من إقامة حاجز الفصل بين الاثنين “فلا السياسة ينبغي أن تأخذ مكان الأخلاق، ولا الأخلاق ينبغي أن تقوم مقام السياسة“.
كما استعرض العمراني سلسلة من التساؤلات التي تهم الموضوع من زاوية ترتيب العلاقة بين كل من السياسة والأخلاق: “فهل يمكن للسياسة أن تتحرك خارج دائرة الأخلاق؟ وهل يكون بوسعنا التصرف بأخلاقية دون الاهتمام بالسياسة؟ ما قيمة سياسة من غير أخلاق؟ بل ماذا عن الأخلاق في السياسة؟ وما هي سياسات الأخلاق؟ وهل توجد قواعد عمومية تضبط عمل المؤسسات السياسية؟ وكيف السبيل إلى حصول الاتفاق بشأن هذه القواعد في حال وجودها؟“
وقد جاءت محتويات الملف متضمنة لأربع عشرة مشاركة، منها دراسة للأكاديمي الجزائري محمد شوقي الزين بعنوان “الصراع الخفي بين السعادة والحرية: رؤية أخرى في علاقة الأخلاق بالسياسة في الفكر الفلسفي”، ثم دراسة للمفكر المغربي في الفلسفة الدكتور عبد السلام بن عبد العالي بعنوان “سقراط وماكيافيلي”، فيما شارك الدكتور كمال عبد اللطيف من المغرب أيضا، بدراسة عنونها ب”التسامح، الحرية، المؤسسات”، ودراسة للباحث المغربي عادل حدجامي موسومة ب”نيكولا ما كيافيلي؛ السياسة “فيما وراء الخير والشر””، كما شارك نور الدين الزاهي، من المغرب أيضا ، بدراسة حول “المقدس الكلياني وموت الكتاب”، فيما تناولت الأكاديمية اللبنانية نايلة أبي نادر الموضوع من خلال “جذور العقل السياسي والأخلاقي في الإسلام: قراءة محمد أركون ل”نظرية القيم القرآنية””. أما الأكاديمي الجزائري الزواوي بغوره، فقاربه عبر دراسة “الأخلاق والسياسة (وجهة نظر عربية)” ، والمفكر السوري هاشم صالح فحص الموضوع بمقال تحت عنوان “هل من سياسة بلا أخلاق”. كما يندرج ضمن مواد الملف نصان فلسفيان؛ الأول للباحثة الألمانية حنة آرندت بعنوان “الحقيقة والسياسة”، والثاني لجاك دريدا بعنوان “سياسات الصداقة“.
وفضلا عن الملف، يشتمل العدد أيضا على حوار مع الفيلسوف الفرنسي جون غرايش أنجزه معه محمد شوقي الزين، كما نطالع في باب “مقالات” على مشاركات متنوعة لكل من عبد الله إبراهيم، فخري صالح، محمد يوسف إدريس، عماد الدين إبراهيم عبد الرزاق، أم الزين بنشيخة المسكيني، ومحمد برهومة.
وفي باب “مراجعة كتب” قدم محمد صلاح بوشتلة قراءته في كتاب “الأدب في خطر” لصاحبه “تزيفتان تودوروف”، وضمن باب “أدب وفنون” شارك كل من عبد الرفيع الجواهري وخوان خوسي مياس وفتحي المسكيني وآخرين، كما تقدم، ضمن باب “علوم وثقافة”، كل من يحيى اليحياوي بمقال “جيوسياسية الإنترنت” وعلي صديقي بمقال “الكتابة الرقمية عند سعيد يقطين”. وفي باب “قطوف” نطلع على نص للراحل محمد أركون حول “مسألة التأثير الثقافي، ابن رشد مثالا”، كما نقرأ في باب “شخصيات وأعلام” مشاركتين لكل من فوزية ضيف الله وغيضان السيد علي، فضلا عن باب “حصاد مؤسسة مؤمنون بلا حدود” الذي يشتمل على جرد لآخر أنشطة المؤسسة ثم الصفحة الأخيرة بعنوان “في السر” لعبد السلام بن عبد العالي.
ونشير إلى أن مجلة “يتفكرون” فصلية تعنى بقضايا الفكر والثقافة يتولى الإشراف عليها الدكتور أحمد فايز، وتتكون هيئتها الاستشارية من الباحثين: حمادي ذويب، ومحمد الصغير جنجار، وبلال فضل.
محمد بوشيخي.